هل يجب أن يشارك الأطفال في الأعمال المنزلية؟
بين التربية، المسؤولية… وحبّ المشاركة
نتحدث كثيرًا عن تقاسم الأعمال المنزلية بين الأزواج، ونادرًا ما نذكر الأطفال. ومع ذلك، أظهرت العديد من الدراسات تأثير مشاركة الأطفال في شؤون المنزل على نموهم وسلوكهم.
في عديد الثقافات، ما زال موضوع مشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية محلّ نقاش. فهناك من يرى أنها عبء غير ضروري، فيما يعتبرها آخرون خطوة أساسية لتعليم المسؤولية والاستقلالية.
في اليابان، تحوّل هذا المبدأ إلى نظام تربوي مؤسّس يعرف باسم «توبان كاتسودو» ، حيث يشارك الأطفال بفعالية في العناية ببيئتهم المدرسية. هذا النظام يوضح الفوائد العديدة لمشاركة الأطفال في المهام اليومية، ليس فقط داخل المدرسة، بل أيضًا في بناء شخصياتهم الاجتماعية والمستقبلية.
«توبان كاتسودو» : نموذج تربوي ملهم
يُعدّ «توبان كاتسودو» جزءًا من النظام التعليمي الياباني، حيث يشارك التلاميذ في تنظيف مدارسهم وتنظيم الفضاءات المشتركة.
الهدف من ذلك ليس فقط الحفاظ على النظافة، بل أيضًا غرس روح المسؤولية والعمل الجماعي منذ الصغر.
ومن بين المهام التي يقوم بها الأطفال:
-
تنظيف الصفوف الدراسية،
-
سقي النباتات،
-
تقديم وجبات الغداء،
-
ترتيب وتنظيم الفضاء الجماعي.
نظام تربوي قائم على المشاركة، يهدف إلى تعزيز الانضباط الذاتي والاستقلالية، وهو انعكاس لروح الثقافة اليابانية المبنية على الجهد الجماعي.
وبحسب موقع Web Japan، التابع لوزارة الشؤون الخارجية اليابانية، فإنّ المهام المدرسية ونظام كاكاري كاتسودو يساعدان الأطفال على تنمية روح الجماعة والاستقلالية، ويواكبان نموّهم الشخصي والاجتماعي
أثر اجتماعي وتقليص للفوارق
تشير دراسات حول توبان كاتسودو إلى أن هذا النظام يعزّز التماسك الاجتماعي والمساواة بين التلاميذ، إذ يشارك الجميع دون تمييز في المهام، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية.
دراسة صادرة سنة 2018 في Journal of Japanese Educational Research، ونشرت أيضًا عبر Kids Web Japan، تؤكد أن
هذا النظام يسهم في تقليص الفوارق الاجتماعية وتعزيز روح الانتماء لدى التلاميذ.
حو مجتمع أكثر مسؤولية
يعتمد توبان كاتسودو على فكرة بسيطة وعميقة في الوقت نفسه:
النظافة والنظام شأن جماعي.
منذ الصغر، يتعلم الأطفال أن لكل فرد دورًا في الحفاظ على الفضاء المشترك، وهي قيمة جوهرية في الثقافة اليابانية.
وبعد هذا المثال من المدارس اليابانية، يمكننا الانتقال إلى ساحة أقرب إلينا: البيت.
هنا أيضًا، لا تُعتبر الأعمال المنزلية مجرد مهام روتينية، بل فرصًا تعليمية قيّمة للأطفال لاكتساب الاستقلالية، وتحمل المسؤولية، والشعور بأهميتهم داخل الأسرة.
لماذا نُشرك الأطفال في الأعمال المنزلية؟
تطوير الشخصية والاستقلالية
مشاركة الأطفال في الأعمال اليومية تساعدهم على تنمية مهارات أساسية مثل:
-
الاستقلالية: التعلّم على المبادرة دون انتظار الأوامر.
-
تحمل المسؤولية: إدراك أن لكل فرد دورًا داخل العائلة.
-
التنظيم والانضباط: اكتساب روتين يومي وهيكلة في السلوك.
الأثر النفسي والاجتماعي
بحسب دراسات من Harvard Graduate School of Education (HGSE)، فإن الأطفال الذين يُشاركون في الأعمال المنزلية منذ سن مبكرة يتمتعون بـ:
-
تقدير أعلى للذات،
-
ثقة أكبر في قدراتهم،
-
تعاطف أعمق مع الآخرين.
كما كشفت دراسة طويلة المدى أجرتها مارتـي روسمان من جامعة مينيسوتا سنة 2002 أن الأطفال الذين شاركوا بانتظام في الأعمال المنزلية بين سن 3 و4 سنوات، أصبحوا في مرحلة البلوغ أكثر استقلالية، أكثر نجاحًا مهنيًا، وأفضل في علاقاتهم الاجتماعية.
وعي بيئي ومواطنة فاعلة
يمكن للأعمال المنزلية أن تكون وسيلة فعّالة لغرس الوعي البيئي منذ الصغر.
فربط المهام اليومية بأنشطة صديقة للبيئة — مثل فرز النفايات، وسقي النباتات، وتقليل هدر الطعام — يعلّم الأطفال مبكرًا معنى المسؤولية تجاه الكوكب.
التربية البيئية تبدأ من البيت
عندما يتحول الروتين المنزلي إلى ممارسة بيئية، يصبح الوعي بالبيئة عادة دائمة.
هكذا، يتعلّم الأطفال من خلال التجربة أن احترام الطبيعة يبدأ من أبسط التصرفات داخل المنزل.
كيف نربط الأعمال المنزلية بالوعي البيئي؟
-
فرز النفايات
-
سقي النباتات والعناية بها
-
الاقتصاد في استهلاك الماء والطاقة
-
الحد من إهدار الطعام
-
الترتيب وإعادة الاستخدام بدل الرمي
تشير أبحاث بيئية إلى أن السلوك البيئي يتكوّن منذ الطفولة، وأن الممارسات العائلية — مثل إعادة التدوير وتقليص النفايات — تلعب دورًا أساسيًا في تكوين هذا الوعي.
الفوائد الملموسة لمشاركة الأطفال في الأعمال المنزلية
-
تنمية الاستقلالية،
-
اكتساب روح المسؤولية،
-
تعلم التعاون والمشاركة،
-
تعزيز الانضباط والمثابرة،
-
بناء القدرة على التحمّل في مواجهة الصعوبات.
بحسب American Academy of Pediatrics، تُعتبر الأعمال المنزلية وسيلة تعليمية للحياة الواقعية، تساعد الأطفال على التأقلم مع مسؤوليات مرحلة البلوغ.
الأخطاء التي يجب تجنّبها
لتبقى التجربة إيجابية ومفيدة، من المهم تجنّب:
-
تكليف الأطفال بمهام تفوق قدراتهم،
-
فرض أعمال مبنية على النوع (بنات/أولاد)،
-
إهمال التقدير أو المكافأة.
المفتاح هو التوازن: مهام بسيطة، تشجيع دائم، وتقدير لكل مجهود.
نصائح عملية لتشجيع الأطفال على المشاركة
قدّر المجهود : حتى أصغر إنجاز يستحق التشجيع.
كن قدوة : الأطفال يقلدون أكثر مما يسمعون.
حوّل المهام إلى لعبة : موسيقى، مؤقت، تحديات صغيرة.
اختر المهام حسب العمر : البسيطة للصغار، الأكثر مسؤولية للمراهقين.
اربط العمل بفكرة : مثلاً، التحدث عن البيئة أثناء فرز النفايات.
روتين يومي بسيط : مهام صغيرة ومتكررة تغرس العادة.
في النهاية
عندما نطبّق هذه الممارسات بشكل متوازن، تصبح الأعمال المنزلية أكثر من مجرد مهام.
إنها مدرسة صغيرة للحياة، يتعلم فيها الأطفال المسؤولية، التعاون، والاحترام — خطوة بخطوة، باللعب، وبالكثير من التشجيع.
كل تصرف بسيط — من سقي نبتة إلى ترتيب المائدة — يمكن أن يحوّل الحياة اليومية إلى مساحة تعليمية حقيقية، تُنشئ جيلاً أكثر وعيًا، استقلاليةً، ومسؤولية.
Binetna est un magazine feminin tunisien